الأحد، 17 فبراير 2019

محسن نصر..وتلاشي الذاكرة السينمائية المصرية


توفى إلى رحمة الله يوم الجمعة الموافق ١٥ فبراير ٢٠١٩ مدير التصوير المصري محسن نصر عن عمر يناهز ٨٤ عاماً بعد صراع مع المرض. يُعتبر محسن نصر من أهم مديري التصوير في مصر والعالم العربي.
وُلِد عام ١٩٣٥ في عائلة فنية، فهو الشقيق الأصغر لمديري التصوير عبد الحليم نصر ومحمود نصر وقد عمل معهما كمساعد مصور (focus puller) ثم كمصور (Cameraman) قبل أن ينفرد كمدير تصوير.

نحنُ أمام مسيرة فريدة في تاريخ السينما. بدأ محسن نصر مشواره كمساعد مصور (focus puller) على أفلام مثل "كهرمان" و"شفيقة القبطية" ثم عمل كمصور (cameraman) على عدد من الأفلام الهامة، من ضمنها: "الزوجة الثانية"، "القاهرة ٣٠"، "يوميات نائب في الأرياف"، "الأرض"، "خلي بالك من زوزو" و "أين عقلي؟".

من أهم أفلامه كمدير تصوير "على من نطلق الرصاص"، "الكرنك"، "شفيقة ومتولي"، "إسكندرية..ليه؟"، "موعد على العشاء"، "حب في الزنزانة"، "غريب في بيتي"، "الوداع يا بونابارت"، "اليوم السادس"، "أحلام هند وكاميليا"، "الهروب"، "اللعب مع الكبار"، "الإرهاب والكباب"، "الساحر".


للأسف عندما بحثت على الإنترنت عن أي حوارات معه، سواء مكتوبة أو مصورة، لم أجد سوى كُتيب صدر عام ٢٠٠٢ يحمل توقيع مدير التصوير سعيد الشيمي. فيما عدا ذلك لم أجد أي حوار تليفزيوني، أو محاضرة مسجلة في معهد السينما، أو حتى مادة Making-of لأي من الأفلام التي صورها. لم أجد حتى صوراً له على البلاتوهات سوى تلك التي ترونها على رأس هذه التدوينة.

بإختصار، لقد رحل عن عالملنا شخص ذو كفاءات فنية وحرفية فريدة من نوعها ولم نفكر أن نسجل معه محاضرات يشرح فيها طريقة تعامله مع العدسات والإضاءة والمخرجين. إن مسيرة محسن نصر الفنية تضعه في نفس الخانة مع مديري تصوير أمثال Raoul Coutard و Gordon Willis و Vittorio Storaro. الفارق هو أنهم وُلدوا في أوطان قدرت موهبتهم فتم لفت الأنظار لإنجازاتهم والإحتفاء بهم عن طريق إقامة عروض لأعمالهم بعد ترميمها رقمياً، وإصدار كتُب تحتوى على صور من أفلامهم مصحوبة بمناقشات عن هذه الأفلام. هذا بالإضافة للمحاضرات التي تسمح لطلبة السينما ومديري التصوير الشباب أن يتحاوروا معهم عن أساليب العمل الخاصة بهم.

لقد حاولت أن أقابل الأستاذ محسن نصر عدة مرات خلال السنوات الأخيرة ولكن ظروفه الصحية كانت لا تسمح بذلك.
كنت مهتم أن أتحاور معه عن أهم أفلامه وأن أسأله أسئلة من نوعية: كيف وصلتوا لقرار تصوير مشاهد حفل السرايا بالألوان في فيلم "القاهرة ٣٠"؟، كيف نشأت العلاقة مع سعاد حسني وهل كانت تشترط أن يتم تصويرها وإضاءتها بشكل معين؟، كيف كان يحافظ على جودة صورته رغم تدهور معامل التحميض في مصر في الثمانينات والتسعينات؟، كيف تم تصميم إضاءة لقطة شروق الشمس في فيلم "اليوم السادس"؟..إلخ

 للأسف ستظل هذه الأسئلة بدون إجابات.

قبل أن أنهي هذه التدوينة، أحب أن أشارككم أحد مقاطعي المفضلة من فيلم "شفيقة ومتولي".
لقد قمت بحذف الصوت كي تتمكنوا من التركيز على صورة محسن نصر.

الخميس، 31 مايو 2018

عودة بعد ثمان سنوات..وهل يجوز للسينمائي أن يلعب دور الناقد؟

لقد مرت ثمان سنوات على أخر مقال نشرته على هذه المدونة. ثمان سنوات مررت فيها بتغيرات كبيرة في حياتي وتنقلت فيها بين بلاد مختلفة للدراسة وللعمل قبل أستقر أخيراً في مكاني الحالي.
التغير الأهم الذي مررت بيه أثناء هذه الفترة هو إني قررت أخيراً أن أمتهن السينما. فبمعني آخر، لم تعد السينما بالنسبة لى هواية أو حلم، إنما هي مصدر رزقي. صناع السينما ليسو مجرد شخصيات معروفة أتحدث عنها بصفة الغائب إنما هما أقراني. هذا التغير أدخلني في دوامة أخلاقية فيما يخص الإستمرار في التدوين عن الأفلام. فكوني امتهنت السينما وضعني تلقائياً في خانة المنافسة مع صناع السينما من حولي، فهل يجوز لي أن أستمر في نقد أعمالهم من خلف ستار اسم مستعار؟..هل يجب على أن أتخلى عن إحدي هواياتي المفضلة ألا وهى مشاهدة الأفلام والتحدث عنها لمجرد كوني قررت أن أمتهن السينما؟..هل سأستطيع التحدث بصراحة عن أعمال زملاء قد تربطني بهم علاقات مهنية أو صداقة ؟..هل سأكون منصف تجاه أعمال لأشخاص قد يكون بيننا خلاف شخصي أو مهني؟..لقد فكرت كثيراً في هذه التساؤلات و حاولت طوال هذه السنوات أن أقمع هذه الرغبة في التدوين إلا أنني لم أنجح في التغلب عليها تماماً. وكانت هذه الرغبة تعبر عن نفسها عن طريق نشر أفيشات أفلام أحبها على صفحتى الخاصة على مواقع التواصل الإجتماعي، وأحياناً عن طريق إضجار الأشخاص من حولي بالتحدثِ عن فيلم أحبه لمدة طويلة.
نظراً لعدم تمكني من التغلب على هذه الرغبة، لقد توصلت لحل وسط ألا وهو أن أخصص هذه المدونة للتحدث عن الأفلام التي أحبها والتي أريد أن ألفت إليها الإنتباه والتحاور معكم حولها. نعم، أعترف بإنني مثل أي محب للسينما أستمتع أحياناً بمشاهدة الأفلام الرديئة كي أنقدها وأسخر منها ولكن كوني الآن أصبحت صانع سينما يجعلني أتعاطف مع أي شخص حاول أن يصنع شيئاً. إذا كان هذا العمل يعجبني فيمكنني أن أتحدث عنه وألفت إليه إنتباه القراء، وإذ لم يعجبني فيمكنني بكل بساطة أن أتجاهله.
فواقع الأمر هو أن الحياة قصيرة ومهما حاولت لن أتمكن من مشاهدة كل الأفلام التي تستحق المشاهدة قبل موتي. فلماذا أضيع وقتي ووقتكم في التحدث عن أفلام أراها رديئة بينما هناك أفلام عظيمة لا تحظى بالإهتمام الذي تستحقه؟ فأهلاً بكم من جديد على مدونة "سينما وأشياء أخرى".

الجمعة، 9 يوليو 2010

Once Upon A Time in the West....فيلم له إيقاع خاص

محطة قطار وسط الصحراء. يدخل ثلاثة غرباء ويحبسون عامل الشباك....وينتظرون القطار القادم.
لا يوجد موسيقى أو ديالوج وإنما أصوات مثل زنة ماكينة التليغراف، تزييق تروس طاحونة، صوت نقاط المياه التي تتدفق ببطء من ثقب في مخزن مياه...زنة زبابة تحوم حول أحد الرجال...وتتحول هذه الأصوات إلى نوع من الموسيقى التصويرية للمشهد.

هذا مشهد بداية فيلم Once Upon A Time West لـSergio Leone الذي يدور الفيلم حول تطور السكة الحديد في الغرب الأمريكي. محور السيناريو إمرأة غريبة (Claudia Cardinale) تأتي إلى مدينة صغيرة لتقابل زوجها الجديد الذي يمتلك قطعة أرض صغيرة اسمها Sweetwater..فتجده قد قُتل هو وأولاده على يد قاتل مأجور اسمه Frank يعمل لحساب Morton وهو رجل أعمال يعمل على تطوير السكة الحديد. وقد حرص Frank على تزوير أدلة كي تشير إلى Cheyenne وهو خارج-عن-القانون معروف بالمنطقة.....

هذا ومن جانب آخر يأتي رجل غريب إلى المدينة بحثاً عن Frank ويرفض الإعلان عن اسمه الحقيقي فيلقبونه Harmonica لإنه دائما يلعب هذه الآلة. فيتحول Harmonica وCheyenne إلى حماة هذه الأرملة بينما يحاولون اكتشاف سبب قتل زوجها أولاده...إذ يكتشفون أن زوجها كان قد وجد مياه تحت أرضه مما يعني أن السكة الحديد كانت ستضطر أن تمر من على أرضه كي تخزن مياه لماكينات البخار...فكان الزوج قد قرر بناء محطة ومن حولها مدينة صغيرة مما جعل رجل الأعمال Morton يطمع في هذه الأرض ويحث Frank على قتله...
أخرج Sergio Leone هذا الفيلم بعد نجاح ثلاثية A Fistful of Dollars, For A Few Dollars More و The Good, The Bad and The Ugly. بينما كانت ثلاثيته قد قدمت صورة شبه-فانتازية للغرب الأمريكي، هذا الفيلم أحداثه تتناول هذه الحقبة التاريخية بشكل أكثر جدية..فأحد تيمات الفيلم الواضحة هى استخدام رؤوس الأموال الكبيرة لعملية امتداد الحضر من أجل الاستيلاء على ممتلكات الملاك الصغار، والسكة الحديد هى رمز واضح للتمدن في هذا الفيلم...
يشير الفيلم أيضاً إلى الأزمة التي واجهها رجال الغرب الأمريكي نتيجة تغير عالمهم بشكل جذري؛ فيحاول القاتل المأجور Frank أن يتحول إلى رجل أعمال كي يواكب العصر، يبنما يموت Cheyenne في نهاية الفيلم...وفي أحد اللقطات الأخيرة نرى Harmonica يسير بعيداً عن السكة الحديد التي تُبنى وتمتد...

استغل Leone الحرية الإبداعية التي حصل عليها نتيجة لنجاح أفلامه السابقة ليخرج فيلم له إيقاع وطابع خاص..
فالفيلم يمتاز بديالوج قليل وإيقاع بطيء يسمحا للمتفرج أن يتلذذ بكل زاوية وكل تفصيلة في المشهد..فكل لحظة درامية تُعطي حقها...يمكن إتهام Leone بأنه تمادى بعض الشيء في تبطيء إيقاع الفيلم دون داعي، ولكنني كسينمائي (أو مشروع واحد سينمائي) أعشق هذا الفيلم تحديداً بسبب إصرار Leone على خلق إيقاع مختلف....


لتحميل الفيلم:
http://thepiratebay.org/torrent/3915171/Once_Upon_A_Time_In_The_West_1968_XviD_MultiSub_-_WunSeeDee_-